صناع الأفلام المبتدئين بين صعوبة الإنتاج وغياب النقد البناء

23/02/2023
الصورة
1
Author
أحمد الخطيب

صناعة فيلم روائي طويل رحلة شقاء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، خصوصاً إذا كان فيلماً مستقلاً محدود الميزانية في ظل فرص محدودة ومنافسة شرسة. فمنذ اللحظة الأولى التي يستوحي فيها صانع أو صانعة الفيلم فكرة نص لفيلم روائي طويل تبدأ مغامرة طويلة ومرهقة على جميع المستويات الإبداعية منها والإنتاجية. يتخلل هذه الرحلة الكثير من الجهد الجسدي والمعنوي حيث يتحتم على صانع الفيلم العمل بشكل مضني آملاً الوصول إلى النتيجة المرجوة.

 

 

وهنا لا يمكن وصف مشاعر صناع الفيلم المنهكين عاطفياً وجسدياً. مشاعر السعادة الغامرة بالوصول إلى الهدف النهائي مختلطةً بالعديد من التساؤلات والمخاوف (هل هذا فيلم جيد؟ هل سينال استحسان المشاهدين والنقاد؟ ما هي فرص حصوله على جوائز؟ كنت أتمنى لو كان لدي المزيد من الوقت أو ميزانية أكبر، لربما قمت بمعالجة هذا المشهد أو ذاك بطريقة مختلفة) وغيرها من الأسئلة والنقاشات مع الذات والآخرين.

 

 

بعد الانتهاء من صناعة الفيلم تبدأ رحلة الفيلم في مهرجانات الأفلام حول العالم وهناك العديد منها، وهي رحلة يتوق إليها صناع الفيلم (المخرج/ة على وجه التحديد) ففي مهرجانات الأفلام يتسنى لهذا الفيلم أن يعرض في بقاع الأرض ولجمهور متخصص من نقاد وصحافيين وصناع أفلام ومهتمين وغيرهم، ناهيك عما يمكن تسميتها ب لحظة “العبور على السجادة الحمراء” وهو تقليد سينمائي مميز في كل مهرجان على وجه الأرض.

 

1

تعبيرية

 

 

وعليه فإن كل ما سبق بدءً من العملية الشاقة والطويلة لصناعة الفيلم وحتى اللحظات الساحرة للمشاركة والمنافسة في المهرجانات هو إنجاز يستحق الاحتفال، بل والاحتفاء بكل معنى الكلمة ولا نملك إلا أن نشعر بالفخر والسعادة لكل من خاض هذه الرحلة الصعبة والطويلة بنجاح.

 

 

لكن السؤال هو: “هل يجب على المشاهد لهذا الفيلم أن يعبأ بكل هذه التفاصيل ويضعها بعين الاعتبار عند تقييم هذا العمل؟” والإجابة البديهية هي ببساطة “كلا بالطبع”، فبغض النظر عن ظروف صناعة الفيلم فإن للمشاهد سواء المتخصص أم غير المتخصص في عالم الأفلام حق الإعجاب أو عدمه بمعزل عن ظروف الإنتاج، فمسؤولية ما يتم تقديمه على الشاشة تقع على عاتق صناع الفيلم وحدهم.

 

 

فما بين الأضواء وتشجيع الأهل والأصدقاء ومجاملات الزميلات والزملاء من ناحية، وانتقادات المشاهدين -والتي قد تكون حادة في بعض الأحيان- من ناحية أخرى، يقع بعض الالتباس لدى صناع الأفلام من حيث نظرتهم إلى مستوى أعمالهم وجودتها، خصوصاً في خضم زخم الإعلام الالكتروني ومزاجيّته التي لا يمكن التنبؤ باتجاه سيرها. فتراهم تارة مشدوهين بأعمالهم بحيث لا يقبلون النقد الموضوعي، وتارة أخرى تنتابهم مشاعر الإحباط والشعور بعدم الرضى عما قاموا بإنجازه، حيث يحدث كل هذا بمعزل عن الواقع النقدي الحقيقي لجودة هذا العمل، وبالتالي يؤثر التواضع المبالغ فيه أو الغرور على حد سواء على قدرة صانع الفيلم على التطور إبداعياً وفنياً في الأعمال اللاحقة.

 

 

وهنا تبرز أهمية وجود أرضيةٍ نقديةٍ حقيقية للأفلام قائمة على منهج نقدي علمي ومن نقاد مختصين، فالنقد السينمائي هو أداة ظهرت تقريباً مع ظهور السينما ولطالما كانت عاملاً كبيراً في تقديم قراءةٍ عميقةٍ للفيلم للمشاهدين وبالتالي رفع سوية الفهم العام للأفلام، ومن ناحية أخرى تفكيك الفيلم بشكلٍ منهجي مما ينعكس على فهم صناع هذه الأفلام لأعمالهم وبالتالي الاستفادة من هذا النقد في الأعمال القادمة، بالإضافة إلى أن النقد له أثر كبير على قدرة الجمهور العام على قراءة الفيلم بشكل موضوعي وعلمي وبالتالي يجعل النقاش العام حول الفيلم بناءً ومنطقياً. إن انغلاق صانعي الفيلم على أنفسهم وفي إطار دائرةٍ ضيقة من الآراء اللانقدية قد يؤدي بهم إلى عدم القدرة على التواصل مع الجمهور بشكل عميق من خلال أفلامهم، كمن يقف أمام المرآة ولا يرى إلا صورته منعكسة بعيداً عن كل ما يحيط بهذه المرآة، وهذا بلا شك سيكون له أثر سلبي على جودة الأعمال فنياً وإبداعياً.

 

 

علينا كعاملين في صناعة أفلام ناشئة أن نكون أكثر نضوجاً فيما يتعلق بتقييمنا بما نقوم بتقديمه إلى العالم، من خلال تحري الآراء النقدية العميقة والمتخصصة، وعدم الانجرار خلف فوضى الإعلام الالكتروني الذي لا يعكس بالضرورة حقيقية هذا العمل أو ذاك. قبول النقد الموضوعي الصادق والصريح هو واجبٌ من واجبات صناع الأفلام يجعلهم أكثر قرباً من الواقع وبالتالي يؤثر إيجاباً في تجاربهم القادمة.

 

 

أحمد الخطيب
مخرج وكاتب يحمل درجة الماجستير في الإنتاج والتصوير السينمائي. عمل على كتابة وإخراج وإنتاج مجموعة من الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة.