أفلامهن بهدف التغيير

24/02/2021
Image
1
Author
بهاء الحسين ودينا بطاينة

عدم المساواة والتمييز بين الجنسين من أبرز التحديات التي تواجه المرأة في العالم العربي بشكل شبه يومي. ففي مجتمعاتنا قد تُدان النساء بسبب ممارسات تُعدّ مقبولة إذا ما مارسها الرجال وتمتد هذه المعايير المزدوجة لتصيب كل ركن من حياة المرأة وبالتالي قد تحد من حرياتها أحياناً بحجة حمايتها وصون شرفها. وفي بعض البيئات المحافظة، ترسخ بعض العادات والتقاليد هذا السلوك وتعزز التحيز للرجل باعتبار النساء أضعف وأقل قيمة منه، بدلاً من إنصاف المرأة والاعتراف بمكانتها الحقيقية في بناء هذا المجتمع.

وانطلاقاً من إيمان الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بدور المرأة الفاصل في المجتمع وسعيها للمساهمة، بأي شكل، في تغيير المعتقدات والمفاهيم التي من شأنها تعزيز التحيز لجنس على حساب جنس آخر، تم صياغة برنامج “فيلم أنثولوجيا: المرأة في منطقة المغرب والمشرق”، والذي أُنتِج من خلاله الفيلم الروائي الطويل “أفلامهن”. وقد نُفذ هذا البرنامج ضمن إطار المشروع الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) “تعزيز قطاع الأفلام المستجيبة للنوع الاجتماعي في منطقة المغرب – المشرق”، وبدعم من الاتحاد الأوروبي.

“أفلامهن” جمع خمسة أفلام قصيرة من خمس دول عربية، لكل فيلم فريق مكون من كاتبة/مخرجة ومنتج/ة، ومن خلال البرنامج وتحت إشراف مرشدين عينتهم الهيئة، تمكّنوا من إنتاج أفلام سلّطت الضوء على قضايا المرأة.

يبدأ “أفلامهن” بصوت امرأة دافئ يشوبه الكثير من الألم، صوت “ديانا” التي تقُص علينا أحداث آخر ثلاثة أيام لها على هذه الأرض. في الفيلم الأردني “ديانا” نشهد قصة حب بين اديانا وأحد جيرانها، تنتهي بقتل الفتاة بدم بارد على يد إخوانها بتزكية من والديها. يعرض الفيلم صورة مقربة عمّا يسمى بـ “جرائم الشرف”. الفيلم من كتابة وإخراج ميسون الهبيدي وإنتاج جنا زين الدين. وقد كانت الهبيدي، أثناء العمل على الفيلم، معنية بالدرجة الأولى بالشخصية الرئيسية فتقول: “الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية، لذلك كنت أشعر دائماً بالمسؤولية لتقديم شخصية تنتظر موتها، بأكثر الطرق صدقاً وأصالة. لم يسبق لي أن خضت هذه التجربة من قبل، لذلك ليس لدي أي مرجع لما قد يفكر ويشعر به شخص في هذا الموقف أو كيف من الممكن أن يتصرف “.

كيف تواجه المرأة التعنيف والإساءة من زوجها؟ هل تهرب أو تبتعد أو تطلب الطلاق؟ تواجه لطيفة، التي يؤرقها عدم إنجابها لطفل بعد، ظلم زوجها بشجاعة وتخلق عالمها السري الصغير الذي تمارس به ما يسعدها بطرق غير مألوفة لامرأة في وضعها الاجتماعي. الفيلم التونسي “كارفور السعادة” يعرض كمية الضغوطات التي على المرأة مواجهتها في سبيل تحقيق صورة نمطية رُسمت للنساء على اختلافهن وعليهن الالتزام بها. الفيلم من إخراج آمنة النجار وإنتاج صابر القبلاوي.

في فيلم “شكوى” اللبناني، للمخرجة والكاتبة فرح شاعر والمنتج لوسيان بورجيلي، تتعرض هدى أيضاً للتعنيف على يد زوجها، ولكنها على عكس لطيفة تلجأ للقانون لإنقاذ نفسها والتحرر من الكابوس الذي تعيشه، فتُصدم بنظامٍ بيروقراطي يقضي على ما تبقى منها، وبدلاً من أن تجد في القانون ملاذاً آمناً تجد نفسها في خطر أكبر. تخلل إنتاج الفيلم صعوبات متعلقة أكثر بالجانب التقنيّ وهو ما حدثتنا عنه المخرجة: “كخيار فني، أردت تصوير الفيلم في لقطة واحدة متواصلة، حتى ننغمس تماماً في رحلة الشخصية الرئيسية داخل مركز الشرطة. ومع ذلك، فإن تنفيذ مثل هذا التسلسل الطويل كان بالتأكيد التحدي الرئيسي لأنه تطلب إعداداً متقناً للمشهد، مما يشبه إلى حد كبير تصميم الرقص وما يتخلل ذلك من تفاصيل دقيقة، بالإضافة إلى تدريبات طويلة ومكثّفة من أجل تحقيق اللقطة المثالية من البداية حتى النهاية. بالرغم من صعوبة ذلك، كانت التجربة ممتعة.”

التحديات التي تواجه المرأة في عالمنا العربي ليست حكراً على فئةٍ عمريةٍ دون غيرها، ففي الفيلم المصري “مائدة الرحمن” تعرض المخرجة تغريد عبد المقصود رفقة المنتج معتز عبد الوهاب قصة أميرة الطفلة ذات الثمانية أعوام والمعيل الوحيد لعائلتها الفقيرة، والتي تعمل على عربة (توكتوك) لكسب قوت يومها. يُظهر الفيلم العبثية في قوانين عمالة الأطفال وكيف أنها مجرد مصطلحات رنانة لا أثر لها على أرض الواقع. أما عن التحديات التي واجهها فريق العمل أثناء تصوير الفيلم، فقد حدثتنا عنها المخرجة قائلة: “كنت أرغب في العمل مع غير الممثلين لفهم الروح الحقيقية للمرأة المصرية. كان التحدي الآخر الطفلة التي حظيت بالدور الرئيسي في الفيلم، والتي لم يسبق لها التمثيل أيضاً. كان علينا العمل معاً كفريق لإبراز المشاعر المختلفة في الفيلم بعفوية ودون تكلّف، إضافةً للتدريبات المكثّفة على قيادة عربة (التوكتوك) حتى تبدو الطفلة متمكنة وتقود بتلقائية هذا إلى جانب تدابير الوقاية والسلامة.” وتضيف عبد المقصود: “حتى موقع التصوير خلق لنا بعض الصعوبات؛ كانت لدي رؤية بأن تبدو عربة (التوكتوك) أكبر في علاقتها بمحيطها، مما تطلب موقعاً شوارعه ضيقة، وعندما بدأنا التصوير كان من المستحيل مرور المولد الكهربائي في تلك الشوارع، مما شكّل عقبةً إضافية كان علينا التغلب عليها”.

ويأتي الفيلم المغربي “لعبة” من كتابة وإخراج ريم مجدي وإنتاج نبيل المروش ليروي قصة طفلة أيضاً، كاميليا، ذات الأحد عشر عاماً. يُقلب عالم كاميليا رأساً على عقب حين تتعرض للتحرش الجنسي من قبل رجل بضِعف عمرها. “لعبة” يعرض تشوه المفاهيم الاجتماعية التي تدور حول الاعتداءات الجنسية وكيف تطغى الحاجة للتمسك بالعادات والتستر وحفظ ما يسمى “بالشرف” على حماية الطفلات الصغيرات من الخوف والارتباك. وعن العمل مع ممثلين أطفال وما يعنيه ذلك لصانع الأفلام، تقول مخرجة الفيلم: “كان التحدي الرئيسي متعلقاً بتوجيه وإخراج الأطفال خاصةً وأن موضوع الفيلم يدور حول الاعتداء الجنسي. كان علينا التفكير في النهج الذي سنتبعه في التحدث معهم، وشرح الفيلم بحيث يمرون بالرحلة العاطفية للشخصيات دون وضعهم في موقف حساس، أو إحداث صدمة لهم. كنا محظوظين بتواجد معلميهم وعائلاتهم وتعاون طاقم العمل، فنجحنا في إيجاد التوازن المطلوب وخلق بيئة مناسبة للأطفال ليشعروا بالأمان ويستمتعوا بصنع الفيلم بالرغم من صعوبة الموضوع المطروح”.

ديانا ولطيفة وهدى وأميرة وكاميليا ما هنّ إلا عينة صغيرة من مجتمع كامل من النساء يتعرضن للظلم والتحيز والتعنيف. نساء يُطلب منهن يومياً الصبر على هذا التعسُف والأذى والتستر عليه وإخفاؤه بحجة أن هذا ما وجدنا عليه آباؤنا! والإحصاءات تؤكد على ذلك. فبحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة* 30٪ من النساء حول العالم المرتبطات بعلاقة مع شريك تعرضن لشكل معين من أشكال العنف الجسدي و/أو الجنسي على يد شركائهن، 40% فقط من هؤلاء النساء لجأن لطلب المساعدة بأي شكل، بينما كانت نسبة من لجأن للشرطة أو السلطات أقل من 10٪. وبحسب نفس التقرير، فإن جريمتين من بين كل ثلاث جرائم تُرتكب على يد شريك أو أحد أفراد العائلة، راحت ضحيتها نساء. لذلك كان من أهداف برنامج “فيلم أنثولوجيا: المرأة في منطقة المغرب والمشرق” الرئيسية رفع مستوى الوعي بالعنف القائم على النوع المجتمعي وتمكين المرأة في مجال صناعة الأفلام وبناء قدرات المشاركات ودعمهن ومساندتهن ليكنّ من خلال “أفلامهن” صوت لغيرهن من النساء.

يسرنا أن “أفلامهُنّ” يجوب الآن العالم في عدة مهرجانات سينمائية ويعد بملاقاة النجاح المرجو إذ بدأ الفيلم بحصد الجوائز كجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي للمرأة. وإضافةً إلى الفيلم بشكله الطويل المتكامل، فاز اثنان من الأفلام القصيرة بجائزتين في المهرجان نفسه، إذ حازت الأردنية ميسون الهبيدي على جائزة أفضل مخرجة عن فيلمها “ديانا” كما فازت فانسا مغمس، التي مثلت دور هدى في فيلم “شكوى” اللبناني، بجائزة أفضل ممثلة. وفي مهرجان فينيسيا للأفلام القصيرة، حازت الأردنية الهبيدي على جائزة أفضل مخرجة دولية وفازت مغمس بجائزة أفضل ممثلة دولية، بينما حصلت آمنة النجار من تونس على جائزة أفضل مخرجة عن “كارفور سعادة”.

آن الأوان لتروي النساء قصصهن الخاصة بأنفسهن ويعالجن الموضوعات الإشكالية المتعلقة بهن علانية ودون تجميل للحقائق. تمكين صانعات أفلام في العالم العربي خطوة أولى في طريق طويلة ووعرة في التصدي للتمييز.

*United Nations: The World’s Women 2015, Chapter 6 – Violence Against Women


* قسم التدريب الإقليمي – الهيئة الملكية الأردنية للأفلام