ما ننصح تفاديه في الفيلم القصير

24/11/2020
Image
1
Author
بقلم أندرو محسن

يُنتج سنويًا عدد كبير من الأفلام القصيرة، لكن ما يعرض منها في المهرجانات الكبرى محدود، وما يحصد النجاح والشهرة عدد أقل بالتأكيد. لا تجد الأفلام القصيرة طريقها إلى الصالات التجارية وبالتالي يقتصر عرضها في المهرجانات أو على بعض المنصات. كل مهرجان يُجري عملية مشاهدة دقيقة لاختيار الأعمال المناسبة للعرض عبر برمجته، ويستبعد الأخرى التي لم تصل إلى المستوى المطلوب، لسبب أو آخر.

منذ بدأتُ عملي كمبرمج للأفلام القصيرة في عدة مهرجانات، وأنا أشاهد سنويًا حوالي ألف فيلم قصير. فعلى سبيل المثال، يتقدم لمسابقة “سينما الغد للأفلام القصيرة” في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أكثر من ألف فيلم قصير في كل دورة، يُعرض منها في النهاية حوالي 20 فيلمًا فقط.

عادة يُدرك المشاهد سبب اختيار الأفلام التي وصلت إليه، إذ تتوافر فيها أغلب شروط الجودة الفنية. لكن ما السبب الذي جعل بقية الأفلام غير مناسبة وبالتالي تمّ استبعادها؟ في السطور التالية سنحاول الإجابة عن هذا السؤال، من خلال عرض أشهر الملاحظات السلبية التي تؤخذ على الأفلام القصيرة، مع وجوب التنويه إلى أنه لا توجد قواعد قاطعة في الفن في نهاية الأمر.

1- ليس فيلمًا وليس قصيرًا

الكثير من العوامل تؤثر في المخرج وهو يصنع فيلمه الأول، لكن بعضها ليس سينمائيًا بالضرورة. فيأتي المُنتَج النهائي أقرب إلى الإعلان أو إلى حلقة من مسلسل تليفزيوني أو ربما إلى فيديو يمكن عرضه على فيسبوك، منه إلى فيلم سينمائي، سواء على مستوى السيناريو أو الطابع البصري أو قطعات المونتاج.

في أحيانٍ أخرى، تكمن المشكلة في كون المخرج يُدرك تفاصيل صناعة الفيلم جيدًا، لكنه لا يجيد توظيف أدواته ليخبرنا بما يريده خلال مدة قصيرة. فثمة قاعدة يعرفها أي صانع أفلام وهي أن ما لا يضيف إلى الحبكة الرئيسية أو الرؤية العامة للفيلم يجب حذفه. تنطبق هذه القاعدة على الأفلام الطويلة التي توجد بها مساحة أكبر للسرد، وبالتالي تنطبق بالضرورة بشكل أَحَد على الأفلام القصيرة، إذ أن التكثيف هو أحد الملامح الأساسية في الفيلم القصير.

من الغريب أن نرى في بعض الأفلام القصيرة مشاهد تأسيسية طويلة، لا تضيف شيئًا حقيقيًا إلى الفيلم، وأحيانًا تترات تمتد عدة دقائق في فيلم مدته الإجمالية لا تتعدى 15 دقيقة!

2- المبالغة أو التقليل في تقدير الفيلم

يرى بعض صناع الأفلام أن فيلمهم أيقونة – وهو أمر منطقي نظراً للجهد المبذول في صناعته بغض النظر عن النتيجة – وبالتالي يسارعون إلى إرساله للمشاركة في كبرى المهرجانات، ليُصدموا لاحقًا بأن الفيلم لم يُعرض في أي منها. في الحقيقة، لو كان المخرج قد نظر إلى الفيلم بعيون المشاهد الخارجي ربما كان ليقدّره حق تقدير، فربما يكون فيلمه مناسبًا جدًا للمشاركة في مسابقة للأعمال الأولى أو لأفلام الطلبة، لكنه شديد البعد عن المنافسة في مسابقات المهرجانات الكبرى التي يشارك فيها مخرجون محترفون وذوو خبرة، وبهذا يكون تقديره للفيلم ظلمه.

وفي أحيانٍ أخرى يحدث العكس، إذ لا يعطي المخرج لفيلمه حقه، ويندفع ليعرضه في أي مهرجان يُتيح له فرصة العرض، ويضيع بهذا على نفسه فرصة العرض في المهرجانات الأكبر التي تشترط عروضًا محلية أو إقليمية أولى.

3- فني أكثر من اللازم، مباشر أكثر من اللازم

أحد المآخذ الأخرى على بعض الأفلام القصيرة، وبالذات الأعمال الأولى لمخرجيها، هي الغرق في المباشرة، إذ يبحث صانع الفيلم عن رسالة واضحة يريد أن يرسلها إلى المشاهد ثم يبني عليها الفيلم، فيتحول فيلمه إلى مقال يمكن قراءة مضمونه دون الحاجة إلى مشاهدته. يتمادى بعض المخرجين في هذه الحالة، ويذهبون إلى الظن بأن الرسالة التي في فيلمهم ستنجح في تغيير العالم وكأن العالم لم يأت بمثلها من قبل، في حين أن أفلامًا تدور حول نفس الفكرة، قُدمت عشرات المرات من قبل.

في المقابل، يختار بعض المخرجين الجنوح إلى الجانب الفني تمامًا، فيصبح فيلمهم شديد التميّز من الناحية التقنية والبصرية ولكنه بلا مضمون. وقد يرى بعض صناع الأفلام في هذه الحالة أن فيلمهم ينتمي إلى نوع التجريب الذي لا يقدم بالضرورة حبكة في أحداثه، لكنهم يفشلون إذ أن حتى التجريب يجب أن يكون واضحًا في ذهن المخرج ويستطيع أن يصل إلى المشاهد في الآن ذاته، لكن الاحتماء بالتجريب كمبرر لغياب المضمون هو أمر غير منطقي.

4- الكثير من الموسيقى

مثلما تحدثنا عن المباشرة في الطرح، يجب أن نذكر أيضًا المباشرة في الموسيقى التصويرية إن جاز التعبير. من المفترض أن الموسيقى عنصر مُكمل وقوي لما نشاهده على الشاشة، ومن النادر أن يكون دورها هو تأسيس الحالة في المشاهد، لكنها تُكمل هذه الحالة بشكل ما.

يفترض بعض صناع الأفلام أن المشاهد لن يفهم وحده المشاعر التي يقدمها هذا المشهد من فرح أو حزن على سبيل المثال، فيعتمدون على إضافة موسيقى مؤثرة وواضحة، لتؤكد على الحالة التي نشاهدها بالفعل. غالبًا ما يكون المخرج الذي يعتمد على الإكثار من الموسيقى غير واثق في قدرته على توصيل ما يريده بالصورة وحدها، فتصبح النتيجة موسيقى ضعيفة مصاحبة لصورة فقيرة.

في بعض الأحيان تمتد هذه الحالة التقليدية في الموسيقى إلى شريط الصوت ككل، فنجد إفراطًا في استخدام المؤثرات الصوتية في غير محلها، كدقات الساعة أو دقات الأحذية على الأرضيات لصناعة حالة من التشويق، لكنها مع تكرار هذه الأصوات تتحول إلى حالة زائفة.

5- المخرج لا يود أن يكون مشاهِدًا

قد تكون الأزمة الأبرز لدى العديد من المخرجين، والتي تترتب عليها كل المشكلات السابقة وغيرها، هي أن المخرج نفسه ليس مشاهدًا جيدًا. لا نتحدث هنا فقط عن الثراء الذي يعود على أي صانع أفلام من مشاهدة المزيد من الأفلام، بل إن المشاهدة بالذات داخل إطار المهرجانات تمنح المخرج نظرة أشمل على ما وصلت إليه السينما عمومًا وماهية الأعمال التي تنجح في الوصول إلى المنافسات النهائية. فقر المشاهدات يقود غالبًا إلى فقر تجربة المخرج.

في هذا الإطار يمكن أن نذكر القاعدة التي يعرفها الكثيرون في أي مجال: ينبغي أن تعرف القواعد حتى تكسرها. قد يظن بعض صناع الأفلام في أعمالهم الأولى أنهم سيُحدثون تغييرًا وطفرة في صناعة السينما، وربما يكونون على حق وينجحون في ذلك، ولكن في هذه الحالة يجب ذكر القاعدة السابقة. فحتى تستطيع أن تغيّر في السينما يجب أن تعرف ما هي عليه أولًا، سواء على المستوى التقني أو على مستوى الأفكار المطروحة.


* أندرو محسن ناقد سينمائي مصري ومبرمج في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي