عمان… مدينة واحدة لعدة مدن
تتربع بين تسعة عشر جبلاً وعلى سفوحها عاصمة الأردن منذ العصور الغابرة. انها ربة عمون التي شادها العمونيون القدماء عاصمة لهم، وهي المدينة التي ازدهرت في أيام اليونان والرومان وحملت اسم فيلادلفيا (مدينة الحب الأخوي) وهي نفسها عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية الحالية “عمان”.
يتجلى تاريخ عمان في أسواقها القديمة المتعددة الألوان ومتاحفها المتنوعة ومعالمها الأثرية التي ترسم صورة لتاريخ المنطقة وتروي حكايته. ولا تعد عمان موطناً للمساجد والكنائس فقط بل أيضا لسكان ينتمون لطوائف وثقافات وديانات متعددة. فعمان تمتاز بمواقعها السياحية المميزة حيث يلتقي فيها الماضي العريق بالحداثة والتطور العمراني بالتكنولوجيا، كل هذا بأجواء آمنة مستقرة ساعدت على تطور المدينة واتِخاذها مركزاً إداريا إقليمياً للعديد من الشركات والمنظمات والهيئات العالمية والإقليمية.
عاصمة مشرقية بامتياز، تحاكي عمان بأزقتها وشوارعها وحاراتها ومبانيها مدنا عديدة في الشرق الأوسط والأدنى مما جعل منها موقع تصوير مثالي للعديد من الأفلام العالمية ومكّنها من تجسيد عدد كبير من المدن العربية والأجنبية.
نذكر هنا بعض الأفلام التي صورت بعمان وإن كانت القائمة أطول من ذلك بكثير:
فيلم “A Private War” أو “حرب خاصة” للمخرج الأمريكي ماثيو هاينمان الذي صور فيلمه الروائي الطويل الأول عام 2017 في عدد من المناطق الأردنية منها العاصمة وضواحيها، يروي قصة المراسلة الحربية البريطانية “ماري كولفين” التي لعبت دورها الممثلة “روزاموند بايك”، وكيف خاطرت بحياتها ودخلت أماكن صراع عديدة آخرها سوريا.
وتعليقاً على التصوير في الأردن، قال هاينمان: ” كان لي تجربة تصوير مذهلة في الأردن. إنه بلد جميل يتمتع بتضاريس متنوعة والناس لطفاء جداً. في غضون ساعتين من عمّان، دُهشت أننا تمكنّا من التصوير في مواقع على افتراض أنها سريلانكا والعراق وأفغانستان وليبيا وسوريا، وجميعها تبدو فعلا حقيقية. فؤاد خليل وديالا الراعي وصائب أبو الراغب كانوا مهنيين للغاية ومرحبين بنا. ساعدونا في العثور على هذه المواقع الرائعة – من أنفاق أم قيس إلى السوق في مأدبا. كما أنهم جعلوا عملية الإنتاج سلسة وسهلة. أتطلع للعودة إلى الأردن.” ولفت أيضاً إلى أن قدرات أردنية احترافية عملت ضمن طاقم العمل مما ساعد في تسريع إنتاج الفيلم حيث عمل بالفيلم 190 أردنياً فنياً.
بالرجوع للعام 2007 استخدمت مدينة عمان لتكون بغداد في تصوير فيلم “The Hurt Locker” أو “خزانة الأذى”، الذي يروي قصة فرقة مكافحة ألغام، أثناء عملها بالعراق، حيث تجد نفسها تحت قيادة قائد جديد، مندفع ومتهور ولكن يمتاز بمهارة عالية، بعد وفاة قائدها السابق أثناء عمله بإبطال مفعول إحدى القنابل. تميُز الفيلم وقوة إخراجه منحا المخرجة “كاثرين بيغلو” جائزة أفضل مخرج في مهرجان جوائز الأكاديمية الأمريكية (الأوسكار) لتصبح أول امرأة تستلم تلك الجائزة الرفيعة. ولم تنس بيغلو توجيه الشكر للأردن وشعبه، لحسن ضيافته واستقباله لها ولطاقم العمل، أثناء استلامها جوائز الأوسكار السبع. كما حصد الفيلم جوائز وشهادات تقدير من عدد من المهرجانات والمؤسسات الفنية ويعد من أهم الأفلام لعام 2009.
“”Fair Game أو “لعبة عادلة” والذي ترشح لجائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان الدولي مثال آخر على النوعية المميزة للأفلام التي اختارت عمان وبنيتها التحتية وطواقمها المهنية. تم تصوير فيلم Fair Game للمخرج العالمي “دوغ ليمان” على مدى سبعة أيام في عمان وسحاب ومناطق أخرى في وسط الأردن وتم الاستعانة بطاقم أردني يناهز 50 فنياً. وقال ليمان في تعليقه على تصوير فيلمه في الأردن قائلاً: “لقد قمت بالتصوير في جميع أنحاء العالم، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحقاً كان التصوير في الأردن رائعاً، فهذا المكان هو بمثابة جنة لصانعي الأفلام، وكأن كلمة “لا” ليست موجودة في اللهجة الأردنية! كما أن طاقم العمل كان يعمل بحماسةٍ وجدّ كبيرين.”
في عام 2010 قدِمَ الكاتب والمخرج “دينيس فيلينيوف” للأردن لتصوير فيلم Incendies “حرائق” والمستوحاة من رواية “وجدي معوض” بالاسم ذاته. يسرد الفيلم قصة توأمين يعودان لبلدهما الأم في الشرق الأوسط والذي يعاني من حرب أهلية طاحنة، بغرض كشف ماضيهما الخفي وتحقيق أمنية والدتهما. صور الفيلم بمونتريال في كندا وعمان ومدن أردنية أخرى وحصد ما يقارب 39 جائزة وتم ترشيحه للمنافسة على “الأوسكار” و “البافتا” ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي.
وعند ذكر الأفلام التي صورت في الأردن لا نستطيع أن نتجاهل الفيلم الهولندي Brothers أو “أخوة”، لمخرجه “هانرو سميتسمان” والذي تم تصوير جزء كبير منه في عمان في عام 2017. يروي الفيلم قصة اختفاء “ياسين العمراني” في حرب سوريا أثناء عمله متطوعاً في مخيم للاجئين في الأردن. مما يدفع أخويه، حسن الممثل الكوميدي ومراد العسكري للذهاب برحلة غير مخطط لها وبدون أدلة قوية بحثا عن أخيهما بمواجهة أشد المخاطر والتحديات.
جورج إسحق: أخصائي في التسويق الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام*